الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
لُغَةً: السَّيَلَانُ، مَصْدَرُ حَاضَ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ، وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ مِنْهَا شِبْهُ الدَّمِ وَهُوَ الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَتَحَيَّضَتْ: قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا عَنْ نَحْوِ صَلَاةٍ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الطَّمْثُ وَالْعِرَاكُ وَالضَّحِكُ وَالْإِعْصَارُ وَالْإِكْبَارُ وَالنِّفَاسُ وَالْفِرَاكُ وَالدِّرَاسُ، وَاسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا. وَشَرْعًا (دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، أَيْ سَجِيَّةً وَخِلْقَةً. جَبَلَ اللَّهُ بَنَاتِ آدَمَ عَلَيْهَا (تُرْخِيهِ الرَّحِمُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا فِيهِمَا، بَيْتُ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَائِهِ، وَمَخْرَجُهُ مِنْ قَعْرِهِ (يَعْتَادُ) ذَلِكَ الدَّمُ (أُنْثَى إذَا بَلَغَتْ، فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ) فِي الْغَالِبِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةً، إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا وَلَا مُرْضِعًا، وَلِأَنَّهُ لَا مَصْرِفَ لَهُ إذَنْ، فَإِذَا حَمَلَتْ صَرَفَهُ اللَّهُ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ. وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ. فَإِذَا أَرْضَعَتْ قَلَبَهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ، وَلِذَلِكَ قَلَّ أَنْ تَحِيضَ الْمُرْضِعُ (وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ) اثْنَيْ عَشَرَ شَيْئًا (الْغُسْلَ لَهُ، فَلَا) يَصِحُّ لِقِيَامِ مُوجِبِهِ. (وَلَا) يَمْنَعُ الْغُسْلَ (لِجَنَابَةٍ) أَوْ نَحْوِ إحْرَامٍ (بَلْ يُسَنُّ) الْغُسْلُ لِذَلِكَ، تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ. (وَ) يَمْنَعُ (الْوُضُوءَ) فَلَا يَصِحُّ لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) يَمْنَعُ (وُجُوبَ الصَّلَاةِ) إجْمَاعًا فَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا. قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافٌ. أَيْ بِدْعَةٌ. وَتَفْعَلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ بِمَعْنَاهُ. (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (فِعْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِمُسْتَمِعَةٍ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهَا. (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (فِعْلَ طَوَافٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ} وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَوُجُوبُهُ بَاقٍ فَتَفْعَلُهُ إذَا طَهُرَتْ أَدَاءً، لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ. وَيَسْقُطُ عَنْهَا وُجُوبُ طَوَافٍ لِلْوَدَاعِ. كَمَا يَأْتِي. (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا فِعْلَ (صَوْمٍ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَلَيْسَتْ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ وَلَمْ تُصَلِّ؟ قُلْنَ: بَلَى} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ و(لَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ (وُجُوبَهُ) أَيْ الصَّوْمِ، فَتَقْضِيهِ إجْمَاعًا. لِحَدِيثِ مُعَاذَةَ قَالَتْ " سَأَلْت عَائِشَةَ، فَقُلْت: {مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْت: لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. فَقَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَضَاؤُهُ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ، لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (مَسَّ مُصْحَفٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (قِرَاءَةَ قُرْآنٍ) مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (اللُّبْثَ بِمَسْجِدٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَلَوْ) كَانَ (اللُّبْثُ) بِوُضُوءٍ، مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ. فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا و(لَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ (الْمُرُورَ) بِالْمَسْجِدِ (إنْ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ نَصًّا) فَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُ مُنِعَتْ. (وَ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا وَطْئًا فِي فَرْجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الْآيَةَ وَهُوَ مَوْضِع الْحَيْضِ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ. وَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ. وَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْهُ قُبِلَ مِنْهَا. نَصًّا إنْ أَمْكَنَ كَطُهْرِهَا ( إلَّا لِمَنْ بِهِ شَبَقٌ) مَرَضٌ مَعْرُوفٌ. فَيُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ (بِشَرْطِهِ) بِأَنْ يُخَافَ تَشَقُّقُ أُنْثَيَيْهِ، إنْ لَمْ يَطَأْ، وَلَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ فِي الْفَرْجِ. وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ. (وَ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا (سُنَّةَ طَلَاقٍ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ. كَمَا يَأْتِي مُوَضَّحًا فِي بَابِهِ (مَا لَمْ تَسْأَلْهُ) أَيْ الْحَائِضُ الزَّوْجَ (خُلْعًا أَوْ طَلَاقًا عَلَى عِوَضٍ) فَيُبَاحُ لَهُ إجَابَتُهَا. لِأَنَّ الْمَنْعَ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، وَمَعَ سُؤَالِهَا قَدْ أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقًا بِلَا عِوَضٍ. وَلَا إنْ كَانَ السَّائِلُ غَيْرَهَا. (وَ) يَمْنَعُ أَيْضًا (اعْتِدَادًا بِأَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ بِالْقُرُوءِ، وَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ (إلَّا) الِاعْتِدَادُ (لِوَفَاةٍ) فَبِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَلَوْ أَنَّهَا تَحِيضُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (وَيُوجِبُ) الْحَيْضُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ (الْغُسْلَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا. ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يُوجِبُ (الْبُلُوغَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، فَأَوْجَبَ أَنْ تَسْتَتِرَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ. (وَ) يُوجِبُ (الِاعْتِدَادَ بِهِ إلَّا لِوَفَاةٍ) وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. زَادَ فِي الْإِقْنَاعِ الْحُكْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الِاعْتِدَادِ وَالِاسْتِبْرَاءِ إذْ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ. وَالْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ فِيهِ (وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْحَيْضِ فِيمَا يَمْنَعُهُ وَيُوجِبُهُ (إلَّا) فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ (اعْتِدَادٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرُوءٍ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ النِّفَاسِ (لَا يُوجِبُ بُلُوغًا) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْإِنْزَالِ السَّابِقِ لِلْحَمْلِ (وَ) كَوْنُهُ (لَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي مُدَّةِ إيلَاءٍ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمَوْلَى لِطُولِ مُدَّتِهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ (وَلَا يُبَاحُ قَبْلَ غُسْلٍ بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ غَيْرَ صَوْمٍ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ فِعْلَهُ كَالْجَنَابَةِ (وَ) غَيْرَ (طَلَاقٍ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَيُبَاحُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ: لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ بِوُضُوءٍ. وَتَقَدَّمَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ (مِنْ حَائِضٍ بِدُونِ فَرْجٍ) مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتَيْهَا. لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أَيْ اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ. وَلِأَنَّ الْمَحِيضَ اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ، فَيُخَصُّ التَّحْرِيمُ بِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ " إلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ {أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَحِلُّ مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ. وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ تَسْلِيمُ صِحَّتِهِ فَإِنَّهُ يُؤَوَّلُ بِالْمَفْهُومِ. وَالْمَنْطُوقُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ {أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ} فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحِ تَعَذُّرًا، كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ (وَيُسَنُّ سَتْرُهُ) أَيْ الْفَرْجِ (إذَا) أَيْ حِينَ اسْتِمْتَاعِهِ بِمَا دُونَهُ، لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (فَإِنْ أَوْلَجَ) فِي فَرْجِ حَائِضٍ (قَبْلَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ الْحَيْضِ (مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ: حَشَفَتَهُ، أَوْ قَدْرَهَا إنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا (وَلَوْ بِحَائِلٍ) لَفَّهُ عَلَى ذَكَرِهِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُولِجِ (كَفَّارَةُ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنِصْفِهِ، كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ. وَالدِّينَارُ هُنَا: الْمِثْقَالُ مِنْ الذَّهَبِ مَضْرُوبًا أَوْ لَا. وَيُجْزِي قِيمَتُهُ مِنْ الْفِضَّةِ فَقَطْ، سَوَاءٌ وَطِئَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ أَوْ آخِرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَكَذَا لَوْ جَامَعَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَحَاضَتْ، فَنَزَعَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ (وَلَوْ) كَانَ الْوَاطِئُ (مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) الْحَيْضَ (أَوْ جَاهِلًا الْحَيْضَ وَالتَّحْرِيمَ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَكَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ (وَكَذَا هِيَ) أَيْ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْكَفَّارَةِ، قِيَاسًا عَلَيْهِ (إنْ طَاوَعَتْهُ) عَلَى الْوَطْءِ. فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا وَقِيَاسُهُ: لَوْ كَانَتْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً (وَتُجْزِئُ) الْكَفَّارَةُ إنْ دَفَعَهَا (إلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ) أَيْ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِشَيْءٍ، وَأَطْلَقَ. جَازَ دَفْعُهُ لِوَاحِدٍ (وَتَسْقُطُ) الْكَفَّارَةُ (بِعَجْزٍ) عَنْهَا كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَكَالصَّوْمِ. وَبَدَنُ الْحَائِضِ طَاهِرٌ، وَلَا يُكْرَهُ عَجْنُهَا وَنَحْوُهُ، وَلَا وَضْعُ يَدِهَا فِي مَائِعٍ (وَأَقَلُّ سِنِّ حَيْضٍ) أَيْ مِنْ امْرَأَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ (تَمَامُ تِسْعِ سِنِينَ) تَحْدِيدًا. لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ. وَلِأَنَّهُ خُلِقَ لِحِكْمَةِ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَهَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، فَلَا تُوجَدُ فِيهَا حِكْمَتُهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ {إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ} وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالْمُرَادُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ. فَمَتَى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَبِبُلُوغِهَا وَإِنْ رَأَتْهُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا (وَأَكْثَرُهُ) أَيْ أَكْثَرُ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ (خَمْسُونَ سَنَةً) لِقَوْلِ عَائِشَةَ " إذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ " وَعَنْهَا أَيْضًا " لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ " (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) نَصًّا. لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ {لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَمَّا طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا} فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ، كَالطُّهْرِ. احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ: إنَّمَا تَعْرِفُ النِّسَاءُ الْحَمْلَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ. وَلِأَنَّهُ زَمَنٌ لَا يُرَى فِيهِ الدَّمُ غَالِبًا، فَلَمْ يَكُنْ مَا تَرَاهُ حَيْضًا كَالْآيِسَةِ. فَإِذَا رَأَتْ دَمًا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، فَلَا تُتْرَكُ لَهُ الصَّلَاةُ وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا مِنْ وَطْئِهَا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَغْتَسِلَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ نَصًّا (وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ زَمَنٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَمُهُ حَيْضًا (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا. لِقَوْلِ عَلِيٍّ " مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ " (وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ) {لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتٍ} (وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ " عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا. فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: قالون " أَيْ جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا. وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ يَقِينًا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ (وَ) أَقَلُّ الطُّهْرِ (زَمَنُ حَيْضٍ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِ (خُلُوصُ النَّقَاءِ، بِأَنْ لَا تَتَغَيَّرَ مَعَهُ قُطْنَةٌ احْتَشَتْ بِهَا) طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ (وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا) أَيْ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا وَاغْتَسَلَتْ (زَمَنَهُ) أَيْ زَمَنَ طُهْرِهَا فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا. لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَاغْتَسَلَتْ فَقَدْ زَالَ الْأَذَى (وَغَالِبُهُ) أَيْ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ (بَقِيَّةُ الشَّهْرِ) بَعْدَ مَا حَاضَتْهُ مِنْهُ. إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، فَمَنْ تَحِيضُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً مِنْ الشَّهْرِ، فَغَالِبُ طُهْرِهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ شَرْعًا. وَمِنْ النِّسَاءِ مَنْ لَا تَحِيضُ الشَّهْرَ وَالثَّلَاثَ وَالسَّنَةَ فَأَكْثَرَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا.
أَيْ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ (تَجْلِسُ) أَيْ تَدَعُ نَحْوَ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَوَافٍ وَقِرَاءَةٍ (بِمُجَرَّدِ مَا تَرَاهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ دَمٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ. لِأَنَّ الْحَيْضَ جِبِلَّةٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْفَسَادِ. فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ أَقَلِّ الْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ لَهُ غُسْلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا، وَإِلَّا جَلَسَتْ (أَقَلَّهُ) يَوْمًا وَلَيْلَةً (ثُمَّ تَغْتَسِلُ) بَعْدَهُ، سَوَاءٌ انْقَطَعَ لِذَلِكَ أَوْ لَا (وَتُصَلِّي) وَتَصُومُ وَنَحْوَهُمَا. لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّهِ يَحْتَمِلُ الِاسْتِحَاضَةَ، فَلَا تَتْرُكُ الْوَاجِبَ بِالشَّكِّ، وَلَا تُصَلِّي قَبْلَ الْغُسْلِ، لِوُجُوبِهِ لِلْحَيْضِ. (فَإِذَا) جَاوَزَ الدَّمُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثُمَّ انْقَطَعَ (وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ) أَيْ الْحَيْضِ، بِأَنْ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَ (اغْتَسَلَتْ أَيْضًا) وُجُوبًا لِصَلَاحِيَّتِهِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا (تَفْعَلُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ وَهُوَ جُلُوسُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَغُسْلُهَا عِنْدَ آخِرِهِمَا وَغُسْلُهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ (ثَلَاثًا) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ} وَهِيَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، فَلَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ التَّكْرَارُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الثَّلَاثُ، كَالْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَكَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ، وَمُهْلَةِ الْمُرْتَدِّ (فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ) حَيْضُهَا فِي الشُّهُورِ الثَّلَاثَةِ (صَارَ عَادَةً تَنْتَقِلُ إلَيْهِ) فَتَجْلِسُ جَمِيعَهُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ، لِتَيَقُّنِهِ حَيْضًا (وَتُعِيدُ صَوْمَ فَرْضٍ) كَرَمَضَانَ وَقَضَائِهِ وَنَذْرٍ (وَنَحْوَهُ) كَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبَيْنِ إذَا (وَقَعَ) ذَلِكَ (فِيهِ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ، لِكَوْنِهِ فِي الْحَيْضِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ، فَمَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ثَلَاثَةٌ، فَحَيْضٌ مُرَتَّبًا كَانَ، كَخَمْسَةٍ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ، وَسِتَّةٍ فِي ثَانٍ، وَسَبْعَةٍ فِي ثَالِثٍ، أَوْ غَيْرِ مُرَتَّبٍ. و(لَا) تُعِيدُ ذَلِكَ (إنْ أَيِسَتْ قَبْلَ تَكْرَارِهِ) ثَلَاثًا (أَوْ لَمْ يَعُدْ) الدَّمُ إلَيْهَا إلَّا بِأَنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ حَيْضًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا (وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا) وَالدَّمُ بَاقٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (قَبْلَ تَكْرَارِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ احْتِيَاطًا، فَيَجِبُ أَيْضًا تَرْكُ وَطْئِهَا احْتِيَاطًا. (وَلَا يُكْرَهُ) وَطْؤُهَا (إنْ طَهُرَتْ) فِي أَثْنَائِهِ (يَوْمًا فَأَكْثَرَ) بَعْدَ غُسْلِهَا؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ النَّقَاءَ الْخَالِصَ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَمَفْهُومُهُ: يُكْرَهُ إنْ كَانَ دُونَ يَوْمٍ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا سَبَقَ لِأَنَّهُ فِي الْمُعْتَادَةِ، وَهَذَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ. وَظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ: لَا فَرْقَ (وَإِنْ جَاوَزَهُ) أَيْ جَاوَزَ دَمُ مُبْتَدَأَةٍ أَكْثَرَ حِيَضٍ (فَ) هِيَ (مُسْتَحَاضَةٌ) لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالِاسْتِحَاضَةُ: سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ مِنْ عِرْقٍ، يُقَالُ لَهُ: الْعَاذِلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. وَقِيلَ: بِالْمُهْمَلَةِ، حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ وَالْعَاذِرُ لُغَةٌ فِيهِ مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ، دُونَ قَعْرِهِ، إذْ الْمَرْأَةُ لَهَا فَرْجَانِ: دَاخِلٌ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ مِنْهُ الْحَيْضُ. وَخَارِجٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْيَتَيْنِ، مِنْهُ الِاسْتِحَاضَةُ. وَالْمُسْتَحَاضَةُ مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَالدَّمُ الْفَاسِدُ أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ بِمَعْنَاهُ. ثُمَّ لَا تَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ، إمَّا أَنْ تَكُونَ مُمَيَّزَةً وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (فَمَا بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ دَمِهَا (ثَخِينٌ) وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ (أَوْ) بَعْضُهُ (أَسْوَدُ) وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ (أَوْ) بَعْضُهُ (مُنْتِنٌ) وَبَعْضُهُ غَيْرُ مُنْتِنٍ. (وَصَلُحَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ الثَّخِينُ أَوْ الْأَسْوَدُ أَوْ الْمُنْتِنُ (حَيْضًا) بِأَنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ (تَجْلِسُهُ) أَيْ تَدَعُ زَمَنَهُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَنَحْوَهُمَا، مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، فَإِذَا مَضَى اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: {جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا ذَلِكَ دَمُ عِرْقٍ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ. فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُد {إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ} فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ، إنَّهَا وَاَللَّهِ إنْ تَرَى الدَّمَ بَعْدَ أَيَّامِ مَحِيضِهَا إلَّا كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ " وَحَيْثُ صَلُحَ ذَلِكَ جَلَسَتْهُ. (وَلَوْ لَمْ يَتَوَالَ) بِأَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ، إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونُ، ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ، فَتَضُمُّ الْأَسْوَدَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَتَجْلِسُهُ، وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَسِتَّةً أَحْمَرَ، فَتَجْلِسُ الثَّلَاثَةَ فِي زَمَنِ الْأَسْوَدِ (أَوْ) لَمْ (يَتَكَرَّرْ) فَتَجْلِسُ زَمَنَ الْأَسْوَدِ الصَّالِحِ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْرَارِهِ وَتَجْلِسُهُ أَيْضًا وَلَوْ انْتَفَى التَّوَالِي وَالتَّكْرَارُ مَعًا لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَمَارَةٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا تَحْتَاجُ ضَمَّ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَتَجْلِسُهُ فِي الرَّابِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا. الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ دَمِهَا ثَخِينًا أَوْ أَسْوَدَ أَوْ مُنْتِنًا، وَصَلُحَ حَيْضًا بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ الْأَسْوَدُ مِنْهُ وَنَحْوُهُ دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، أَوْ جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ (فَ) تَجْلِسُ (أَقَلَّ الْحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ (حَتَّى يَتَكَرَّرَ) دَمُهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِدُونِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. (فَتَجْلِسُ) إذَا تَكَرَّرَ (مِنْ) مِثْلِ (أَوَّلِ وَقْتِ ابْتِدَائِهَا) إنْ عَلِمَتْهُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِتَحَرٍّ (أَوْ) تَجْلِسُ مِنْ (أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ إنْ جَهِلَتْهُ) أَيْ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا بِالدَّمِ (سِتًّا أَوْ سَبْعًا) مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا (بِتَحَرٍّ أَيْ بِاجْتِهَادٍ) فِي حَالِ الدَّمِ، وَعَادَةِ أَقَارِبِهَا مِنْ النِّسَاءِ، لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ. فَقَالَ: تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، ثُمَّ اغْتَسِلِي} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَعَمَلًا بِالْغَالِبِ (وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ مَنْ لَهَا عَادَةٌ جَلَسَتْهَا) أَيْ عَادَتَهَا وَلَوْ كَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَالِحٌ لِعُمُومِ {قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ: إذْ سَأَلَتْهُ عَنْ الدَّمِ اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُك حَيْضَتُك، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَقْوَى، لِكَوْنِهَا لَا تُبْطِلُ دَلَالَتَهَا، بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّوْنِ إذَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ بَطُلَتْ دَلَالَتُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً. و(لَا) تَجْلِسُ (مَا نَقَصَتْهُ) عَادَتُهَا (قَبْلَ) اسْتِحَاضَتِهَا فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ جَلَسَتْ الْأَرْبَعَةَ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ النَّقْصُ وَإِنَّمَا تَجْلِسُ الْمُسْتَحَاضَةُ عَادَتَهَا (إنْ عَلِمَتْهَا) بِأَنْ تَعْرِفَ شَهْرَهَا، وَيَأْتِي وَتَعْرِفَ وَقْتَ حَيْضِهَا مِنْهُ وَوَقْتَ طُهْرِهَا وَعَدَدَ أَيَّامِهَا (وَإِلَّا) تَعْلَمْ عَادَتَهَا بِأَنْ جَهِلَتْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (عَمِلَتْ) وُجُوبًا (بِتَمْيِيزٍ صَالِحٍ) لِلْحَيْضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ. لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَتَقَدَّمَ (وَلَوْ تَنَقَّلَ) التَّمْيِيزُ، بِأَنْ لَمْ يَتَوَالَ (أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ (وَلَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ) أَيْ التَّمْيِيزِ الصَّالِحِ (بِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ) وَهُمَا الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ وَالثَّخِينُ وَالرَّقِيقُ أَوْ الْمُنْتِنُ وَغَيْرُهُ (عَلَى شَهْرٍ) أَيْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، نَحْوُ أَنْ تَرَى عَشَرَةً أَسْوَدَ وَثَلَاثِينَ فَأَكْثَرَ أَحْمَرَ دَائِمًا، فَتَجْلِسَ الْأَسْوَدَ لِأَنَّ الْأَحْمَرَ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ (وَلَا يُلْتَفَتُ لِتَمْيِيزٍ إلَّا مَعَ اسْتِحَاضَةٍ) فَتَجْلِسَ جَمِيعَ دَمٍ لَا يُجَاوِزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ صِفَةً لِأَنَّهُ يَصْلُحُ حَيْضًا كُلُّهُ (فَإِنْ عُدِمَ) التَّمْيِيزُ وَجِهَاتُ عَادَتِهَا (فِ) هِيَ (مُتَحَيِّرَةٌ) لِتَحَيُّرِهَا فِي حَيْضِهَا، لِجَهْلِ عَادَتِهَا وَعَدَمِ تَمْيِيزِهَا (لَا تَفْتَقِرُ اسْتِحَاضَتُهَا إلَى تَكْرَارٍ) بِخِلَافِ الْمُبْتَدَأَةِ. وَلِلْمُتَحَيِّرَةِ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا: أَنْ تَنْسَى عَدَدَ أَيَّامِهَا دُونَ مَوْضِعِ حَيْضِهَا، وَقَدْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (وَتَجْلِسُ نَاسِيَةُ الْعَدَدِ فَقَطْ غَالِبَ الْحَيْضِ) سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِالتَّحَرِّي (فِي مَوْضِع حَيْضِهَا) مِنْ أَوَّلِهِ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ إلَّا شَهْرَهَا، وَهُوَ مَا يَجْتَمِعُ) لَهَا (فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ) وَأَقَلُّهُ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا (فَ) تَجْلِسُ (فِيهِ) سِتًّا أَوْ سَبْعًا (إنْ اتَّسَعَ لَهُ) أَيْ لِغَالِبِ الْحَيْضِ كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا عِشْرِينَ فَأَكْثَرَ فَتَجْلِسَ فِي أَوَّلِهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ بَقِيَّةَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ تَعُودَ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ أَبَدًا. (وَإِلَّا) يَتَّسِعْ شَهْرُهَا لِغَالِبِ الْحَيْضِ بِأَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَ (جَلَسَتْ الْفَاضِلَ بَعْدَ أَقَلِّ الطُّهْرِ) وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جَلَسَتْ يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ جَلَسَتْ يَوْمَيْنِ. وَهَكَذَا. ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي بَقِيَّتَهُ. الثَّانِي: أَنْ تَذْكُرَ عَدَدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَتَنْسَى مَوْضِعَهُ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَتَجْلِسُ الْعَدَدَ بِهِ) أَيْ بِشَهْرِهَا، أَيْ فِيهِ (مَنْ ذَكَرَتْهُ) أَيْ الْعَدَدَ (وَنَسِيَتْ الْوَقْتَ) مِنْ أَوَّلِ مُدَّةٍ عُلِمَ الْحَيْضُ فِيهَا وَضَاعَ مَوْضِعُهُ، كَنِصْفِ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالِيٍّ، حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لَهُمَا. وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَ) تَجْلِسُ (غَالِبَ الْحَيْضِ مَنْ نَسِيَتْهُمَا) أَيْ الْعَدَدَ وَالْوَقْتَ (مِنْ أَوَّلِ كُلِّ مُدَّةٍ عُلِمَ الْحَيْضُ فِيهَا. وَضَاعَ مَوْضِعُهُ، كَنِصْفِ الشَّهْرِ الثَّانِي) أَوْ الْأَوَّلِ أَوْ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْهُ (فَإِنْ جَهِلَتْ) مُدَّةَ حَيْضِهَا (فَ) لَمْ تَدْرِ: أَكَانَتْ تَحِيضُ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ؟ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ أَيْضًا (مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ كَمُبْتَدَأَةٍ) أَيْ كَمَا تَفْعَلُ الْمُبْتَدَأَةُ ذَلِكَ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ {تَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَأَيَّامَهَا وَصُومِي} فَقَدَّمَ حَيْضَهَا عَلَى الطُّهْرِ، ثُمَّ أَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ (وَمَتَى ذَكَرَتْ) النَّاسِيَةُ (عَادَتَهَا رَجَعَتْ إلَيْهَا) فَجَلَسَتْهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجُلُوسِ فِيهَا كَانَ لِعَارِضِ النِّسْيَانِ وَقَدْ زَالَ فَرَجَعَتْ إلَى الْأَصْلِ (وَقَضَتْ الْوَاجِبَ) مِنْ نَحْوِ صَوْمِ (زَمَنِهَا) أَيْ زَمَنِ عَادَتِهَا، لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ، بِكَوْنِهِ صَادَفَ حَيْضَهَا (وَ) قَضَتْ الْوَاجِبَ أَيْضًا مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ (زَمَنَ جُلُوسِهَا فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَيْضَهَا. فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً إلَى آخِرِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ فَجَلَسَتْ سَبْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ، ثُمَّ ذَكَرَتْ. لَزِمَهَا قَضَاءُ مَا تَرَكَتْ مِنْ صَلَاةٍ وَالصِّيَامُ الْوَاجِبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَقَضَاءُ مَا صَامَتْ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ (وَمَا تَجْلِسُهُ نَاسِيَةً) لِعَادَتِهَا (مِنْ) حَيْضٍ (مَشْكُوكٍ فِيهِ، فَهُوَ كَحَيْضٍ يَقِينًا) فِي أَحْكَامِهِ، مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالْوَطْءِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا (وَمَا زَادَ) عَلَى مَا تَجْلِسُهُ (إلَى أَكْثَرِهِ) أَيْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ. فَهُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَحُكْمُهُ (كَطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ) فِي أَحْكَامِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِمَا كَالْيَقِينِ، فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُكْرَهُ وَيَجِبُ وَيُسْتَحَبُّ وَيُبَاحُ. وَيَسْقُطُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْوَطْءُ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، كَالِاسْتِحَاضَةِ (وَغَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِمَا (اسْتِحَاضَةٌ) لِخَبَرِ حَمْنَةَ. وَلِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ تَطُولُ مُدَّتُهَا غَالِبًا. وَلَا غَايَةَ لِانْقِطَاعِهَا تُنْتَظَرُ فَيَعْظُمُ مَشَقَّةُ قَضَاءِ مَا فَعَلَتْهُ فِي الطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ غَالِبًا. وَبِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الْأَقَلِّ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْأَكْثَرَ. وَعَلَى عَادَةِ الْمُعْتَادَةِ لِانْكِشَافِ أَمْرِهِ بِالتَّكْرَارِ (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَادَةٌ) مُعْتَادَةٌ (مُطْلَقًا) بِزِيَادَةٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ (فَ) الدَّمُ الزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا أَوْ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهَا (كَدَمٍ زَائِدٍ عَلَى أَقَلِّ حَيْضٍ مِنْ مُبْتَدَأَةٍ فِي) أَنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي فِيهِ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، إنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا. وَفِي (إعَادَةِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ) كَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبَيْنِ فَعَلَتْهُ فِيهِ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ زَمَنُ حَيْضٍ، وَصَارَ عَادَةً لَهَا، فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ (وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا) فِي عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ كَالطَّاهِرَةِ (ثُمَّ) إنْ (عَادَ) الدَّمُ (فِي عَادَتِهَا جَلَسَتْهُ) وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ لِأَنَّهُ صَادَفَ عَادَتَهَا. أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ و(لَا) تَجْلِسُ (مَا جَاوَزَهَا) أَيْ الْعَادَةَ (وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَكْثَرِهِ) أَيْ الْحَيْضِ (حَتَّى يَتَكَرَّرَ) فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَتَجْلِسَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ (وَصُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ) أَيْ شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ (فِي أَيَّامِهَا) أَيْ الْعَادَةِ (حَيْضٌ) تَجْلِسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} وَهُوَ يَتَنَاوَلُهُمَا. وَلِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ " يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ " تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مَنْ الْحَيْضِ. وَفِي الْكَافِي: قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: هِيَ مَاءٌ أَبِيضُ يَتْبَعُ الْحَيْضَةَ (لَا بَعْدَ) الْعَادَةِ، فَلَيْسَ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضًا (وَلَوْ تَكَرَّرَ) ذَلِكَ. فَلَا تَجْلِسُهُ لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ " كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ " بَعْدَ الطُّهْرِ". (وَمَنْ تَرَى يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ دَمًا) مُتَفَرِّقًا (يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ) أَيْ الدَّمِ (أَقَلَّهُ) أَيْ الْحَيْضِ. ( وَ) تَرَى (نَقَاءً مُتَخَلِّلًا) لِتِلْكَ الدِّمَاءِ لَا يَبْلُغُ أَقَلَّ الطُّهْرِ (فَالدَّمُ حَيْضٌ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ، وَالنَّقَاءُ طُهْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمَتَى انْقَطَعَ) الدَّمُ (قَبْلَ بُلُوغِ الْأَقَلِّ وَجَبَ الْغُسْلُ) إذَنْ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ حَيْضٌ لَا فَسَادٌ. (فَإِنْ جَاوَزَ) الْمَجْمُوعُ أَيْ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنَّقَاءِ (أَكْثَرَهُ) أَيْ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (كَمَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) يَوْمًا (مَثَلًا فَ) هِيَ (مُسْتَحَاضَةٌ) تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا إنْ عَلِمَتْهَا، وَإِلَّا فَبِالتَّمْيِيزِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمُتَحَيِّرَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَلَا تَمْيِيزَ جَلَسَتْ أَقَلَّ الْحَيْضِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى غَالِبِهِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهَلْ تُلَفَّقُ لَهَا السَّبْعَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ تَجْلِسُ أَرْبَعَةً مِنْ سَبْعَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. اهـ. وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِالثَّانِي.
يَلْزَمُ كُلُّ مَنْ دَامَ حَدَثُهُ مِنْ مُسْتَحَاضَةٍ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ، أَوْ مَذْيٍ، أَوْ رِيحٍ، أَوْ جُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ، أَوْ رُعَافٌ (غَسْلُ الْمَحَلِّ) الْمُلَوَّثِ بِالْحَدَثِ، لِإِزَالَتِهِ عَنْهُ (وَتَعْصِيبُهُ) أَيْ فِعْلُ مَا يَمْنَعُ الْخَارِجَ حَسَبَ الْإِمْكَانِ: مِنْ حَشْوٍ بِقُطْنٍ، وَشَدَّهُ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ، وَتَسْتَثْفِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ إنْ كَثُرَ دَمُهَا بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ، تَشُدُّهَا عَلَى جَنْبَيْهَا وَوَسَطِهَا عَلَى الْفَرْجِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثٍ {تَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ} وَقَالَ لِحَمْنَةَ، حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ كَثْرَةَ الدَّمِ {أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ} يَعِنِي الْقُطْنَ " تَحْشِي بِهِ الْمَكَانَ قَالَتْ: إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: تَلَجَّمِي " فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ شَدُّهُ كَبَاسُورٍ وَنَاصُورٍ وَجُرْحٍ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ، صَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. و(لَا) يَلْزَمُهُ (إعَادَتُهُمَا) أَيْ الْغُسْلِ وَالْعَصْبِ (لِكُلِّ صَلَاةٍ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ)، لِأَنَّ الْحَدَثَ مَعَ غَلَبَتِهِ وَقُوَّتِهِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: {اعْتَكَفَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ. فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ، وَالطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَيَتَوَضَّأُ) مِنْ حَدَثٍ دَائِمٍ (لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إنْ خَرَجَ شَيْءٌ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ {وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ {وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ. فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ لَمْ يَبْطُلْ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لَوْ كَانَتْ تَوَضَّأَتْ قَبْلَهُ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي نَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَسَوَّى فِي الْإِقْنَاعِ بَيْنَهُمَا، تَبَعًا لِأَبِي يَعْلَى. وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي الْإِنْصَافِ. وَيُصَلِّي دَائِمُ الْحَدَثِ عَقِبَ طُهْرِهِ نَدْبًا (وَإِنْ اُعْتِيدَ انْقِطَاعُهُ) أَيْ الْحَدَثِ الدَّائِمِ (زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ) أَيْ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ لَهَا (تَعَيَّنَ) فِعْلُ الْمَفْرُوضَةِ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا عُذْرَ مَعَهُ وَلَا ضَرُورَةَ. فَتَعَيَّنَ كَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ (وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ) أَيْ انْقِطَاعُ الْحَدَثِ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ (لِمَنْ عَادَتُهُ الِاتِّصَالُ) لِلْحَدَثِ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ (بَطَلَ وُضُوءُهُ) لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ فِي حُكْمِ مَنْ حَدَثُهُ غَيْرُ دَائِمٍ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ انْقِطَاعَهُ زَمَنًا لَا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ لَا أَثَرَ لَهُ، لَكِنَّهُ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُضِيَّ فِيهَا، لِاحْتِمَالِ دَوَامِهِ (وَمَنْ تَمْتَنِعُ قِرَاءَتُهُ) فِي الصَّلَاةِ (قَائِمًا) لَا قَاعِدًا صَلَّى قَاعِدًا (أَوْ يَلْحَقُهُ السَّلَسُ) فِي الصَّلَاةِ (قَائِمًا) لَا قَاعِدًا (صَلَّى قَاعِدًا) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بَدَلَ لَهَا، وَالْقِيَامَ بَدَلُهُ الْقُعُودُ. وَإِنْ كَانَ لَوْ قَامَ لَمْ يَحْبِسْهُ وَإِنْ اسْتَلْقَى حَبَسَهُ، صَلَّى قَائِمًا، لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا (وَمَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ) السَّلَسُ (إلَّا رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ) نَصًّا، كَالْمَكَانِ النَّجِسِ، وَلَا يَكْفِيه الْإِيمَاءُ (وَحَرُمَ وَطْءُ مُسْتَحَاضَةٍ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ عَنَتٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ " الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا " فَإِنْ خَافَهُ أَوْ خَافَتْهُ أُبِيحَ وَطْؤُهَا، وَلَوْ لِوَاجِدِ الطَّوْلِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ. وَكَذَا إنْ كَانَ بِهِ شَبَقٌ شَدِيدٌ. لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْحَيْضِ. وَمُدَّتُهُ تَطُولُ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ. وَلِأَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ يَتَعَدَّى إلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ مَجْذُومًا. وَحَيْثُ حَرُمَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ (وَلِرَجُلٍ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ) كَكَافُورٍ. لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (وَلِأُنْثَى شُرْبُهُ) أَيْ الْمُبَاحِ (لِإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ وَحُصُولِ حَيْضٍ) إذْ الْأَصْلُ الْحِلُّ حَتَّى يَرِدَ التَّحْرِيمُ. وَلَمْ يَرِدْ. و(لَا) تَشْرَبُ مُبَاحًا (لِحُصُولِ حَيْضٍ قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ) أَيْ رَمَضَانَ كَالسَّفَرِ لِتُفْطِرَ. (وَ) الْأُنْثَى أَيْضًا تَشْرَبُ مُبَاحًا (لِقَطْعِهِ) أَيْ الْحَيْضِ لِمَا تَقَدَّمَ و(لَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (فِعْلُ الْأَخِيرِ) أَيْ مَا يَقَعُ الْحَيْضُ (بِهَا بِلَا عِلْمِهَا) بِهِ: لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهَا مِنْ النَّسْلِ الْمَقْصُودِ. وَفِي الْفَائِقِ: لَا يَجُوزُ مَا يَقْطَعُ الْحَمْلَ. ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ.
لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا. وَرُوِيَ {أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَرَ دَمًا، فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْجُفُوفِ} وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ دَمٌ وُجِدَ عَقِبَ سَبَبِهِ. فَكَانَ نِفَاسًا كَالْكَثِيرِ (وَهُوَ) أَيْ النِّفَاسُ بَقِيَّةٌ لِلدَّمِ الَّذِي اُحْتُبِسَ فِي مُدَّة الْحَمْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّفَسِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْجَوْفِ، أَوْ مِنْ نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ، أَيْ فَرَّجَهَا، وَعُرْفًا (دَمٌ تُرْخِيهِ الرَّحِمُ مَعَ وِلَادَةٍ وَقَبْلَهَا) أَيْ الْوِلَادَةِ (بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِأَمَارَةٍ) أَيْ عَلَامَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ، كَالتَّأَلُّمِ. وَإِلَّا فَلَا تَجْلِسُهُ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ. فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمَهُ أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ (وَبَعْدَهَا) أَيْ الْوِلَادَةِ (إلَى تَمَامِ أَرْبَعِينَ) يَوْمًا (مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ) فَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ (وَإِنْ جَاوَزَهَا) أَيْ الْأَرْبَعِينَ دَمُ النِّفَاسِ (وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا وَلَمْ يَزِدْ) عَنْ عَادَتِهَا. فَالْمُجَاوِزُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ فِي عَادَتِهَا، أَشْبَهُ مَا لَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِنِفَاسٍ (أَوْ زَادَ) الدَّمُ الْمُجَاوِزُ لِلْأَرْبَعِينَ عَنْ الْعَادَةِ (وَتَكَرَّرَ) ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ (وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ) أَيْ الْحَيْضِ (فَهُوَ حَيْضٌ) لِأَنَّهُ دَمٌ مُتَكَرِّرٌ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ نِفَاسٌ. (وَإِلَّا) بِأَنْ زَادَ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ، أَوْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتَكَرَّرَ أَوَّلًا (أَوْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ) حَيْضٍ (فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا، فَإِنْ تَكَرَّرَ وَصَلُحَ حَيْضًا فَحَيْضٌ (وَلَا تَدْخُلُ اسْتِحَاضَةٌ فِي مُدَّةِ نِفَاسٍ) كَمَا لَا تَدْخُلُ فِي مُدَّةِ حَيْضٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَقْوَى (وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ النِّفَاسِ (بِوَضْعِ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ) وَلَوْ خَفِيًّا؛ لِأَنَّهُ وِلَادَةٌ، لَا عَلَقَةٌ أَوْ مُضْغَةٌ لَا تَخْطِيطَ فِيهِمَا. وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُهُ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا، وَيَأْتِي وَغَالِبُهُ كَمَا. قَالَ الْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ (وَالنَّقَاءُ زَمَنُهُ) أَيْ النِّفَاسِ (طُهْرٌ) كَالْحَيْضِ. فَتَغْتَسِلُ وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الطَّاهِرَاتُ (وَيُكْرَهُ وَطْؤُهَا فِيهِ) أَيْ النَّقَاءِ زَمَنُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا، عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ " أَنَّهَا أَتَتْهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ. فَقَالَ: " لَا تَقْرَبِينِي " وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْعَوْدَ مِنْ الْوَطْءِ (فَإِنْ عَادَ الدَّمُ فِي الْأَرْبَعِينَ) بَعْدَ انْقِطَاعِهِ (أَوْ لَمْ تَرَهُ) عِنْدَ الْوِلَادَةِ (ثُمَّ رَأَتْهُ فِيهَا) أَيْ الْأَرْبَعِينَ، فَهُوَ (مَشْكُوكٌ فِيهِ)، أَيْ كَوْنِهِ نِفَاسًا أَوْ فَسَادًا، لِتَعَارُضِ الْأَمَارَتَيْنِ فِيهِ (فَتَصُومُ وَتُصَلِّي) مَعَهُ. لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مُتَيَقَّنٌ، وَسُقُوطُهُ بِهَذَا الدَّمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَلَيْسَ كَالْحَيْضِ لِتَكَرُّرِهِ (وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ وَنَحْوَهُ) احْتِيَاطًا. لِأَنَّهَا تَيَقَّنَتْ شُغْلَ ذِمَّتِهَا بِهِ. فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ (وَلَا تُوطَأُ) فِي هَذَا الدَّمِ كَالْمُبْتَدَأَةِ فِي الزَّائِدِ عَلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ قَلَّ تَكَرُّرُهُ (وَإِنْ صَارَتْ نُفَسَاءَ بِتَعَدِّيهَا) عَلَى نَفْسِهَا بِضَرْبٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِمَا (لَمْ تَقْضِ) الصَّلَاةَ فِي زَمَنِ نِفَاسِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ التَّعَدِّي مِنْ غَيْرِهَا. لِأَنَّ وُجُودَ الدَّمِ لَيْسَ مَعْصِيَةً مِنْ جِهَتِهَا. وَلَا يُمْكِنُهَا قَطْعُهُ، بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِالتَّوْبَةِ. وَأَمَّا السُّكْرُ فَجُعِلَ شَرْعًا كَمَعْصِيَةٍ مُسْتَدَامَةٍ يَفْعَلُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْإِثْمِ وَالتَّكْلِيفِ. وَالشُّرْبُ أَيْضًا يُسْكِرُ غَالِبًا. فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَالْقَتْلِ، يَحْصُلُ مَعَهُ خُرُوج الرُّوحِ. فَأُضِيفَ إلَيْهِ (وَفِي وَطْءِ نُفَسَاءَ مَا فِي وَطْءِ حَائِضٍ) مِنْ الْكَفَّارَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِ (وَمَنْ وَضَعَتْ تَوْأَمَيْنِ) أَيْ وَلَدَيْنِ (فَأَكْثَرَ، فَأَوَّلُ نِفَاسٍ وَآخِرُهُ مِنْ) ابْتِدَاءِ خُرُوجِ (الْأَوَّلِ) كَمَا لَوْ انْفَرَدَ الْحَمْلُ (فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْوَلَدَيْنِ (أَرْبَعُونَ) يَوْمًا فَأَكْثَرَ (فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي) بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ. فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ. كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَوَّلِهِ.
لُغَةً الدُّعَاءُ، قَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَعُدِّيَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِنْزَالِ، أَيْ أَنْزِلْ رَحْمَتَك عَلَيْهِمْ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَصِلْ}. وَشَرْعًا (أَقْوَالٌ) وَلَوْ مُقَدَّرَةً، كَمَنْ أُخْرِسَ (وَأَفْعَالٌ) مَعْلُومَةٌ (مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ) لِلْخَبَرِ، سُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ تَثْنِيَةُ صَلَا كَعَصَا. وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ، أَوْ عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ صَلَوَى إمَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: إنَّهَا مِنْ صَلَيْت الْعُودَ، إذَا لَيَّنْته، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَلِينُ وَيَخْشَعُ. وَفَرْضُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بَعْدَ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ، وَهِيَ آكَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ (وَتَجِبُ) الصَّلَاةُ (الْخَمْسُ) فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُبَعَّضٍ (مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (غَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا. كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا لَأُمِرَتَا بِقَضَائِهَا (وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ) أَيْ الْمُسْلِمَ الْمَذْكُورَ (الشَّرْعُ) كَمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ حَرْبٍ وَلَمْ يَبْلُغْهُ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا إذَا عَلِمَ، كَالنَّائِمِ (أَوْ) كَانَ (نَائِمًا) أَوْ سَاهِيًا لِحَدِيثِ {مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ) كَانَ (مُغَطًّى عَقْلُهُ بِإِغْمَاءٍ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عَمَّارًا أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: هَلْ صَلَّيْتُ؟ قَالُوا: مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ ثَلَاثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ " وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ. وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ غَالِبًا. وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ. وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يُسْقِطُ الصَّوْمَ. فَكَذَا الصَّلَاةُ، كَالنَّوْمِ (أَوْ) كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ (بِشُرْبِ) دَوَاءٍ فَيَقْضِي كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَأَوْلَى أَوْ كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ بِشُرْبِ (مُحَرَّمٍ) اخْتِيَارًا، لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ. فَلَا يُنَاسِبُهَا إسْقَاطُ الْوَاجِبِ، أَوْ كُرْهًا، إلْحَاقًا لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ (فَيَقْضِي) السَّكْرَانُ زَمَنَ سُكْرِهِ (حَتَّى زَمَنَ جُنُونٍ طَرَأَ) عَلَى السُّكْرِ (مُتَّصِلًا بِهِ) تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ. الصَّوْمُ وَغَيْرُهُ (وَيَلْزَمُ) مُتَيَقِّظًا (إعْلَامُ نَائِمٍ بِدُخُولِ وَقْتِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (مَعَ ضِيقِهِ) أَيْ الْوَقْتِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا حَالَ كُفْرِهِ وَلَا بِقَضَائِهَا إذَا أَسْلَمَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَإِلَّا فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالتَّوْحِيدِ (وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ) لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَجُنَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا عَلَى الْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يُفِيقُ. (وَإِذَا صَلَّى) كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ. حُكِمَ بِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِ أَنَسٍ " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلَاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ. لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ " وَصَلَّى صَلَاتَنَا " أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْرُوعَةِ تَخْتَصُّ بِشَرْعِنَا أَشْبَهَتْ الْأَذَانَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا، بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ أَذَّنَ وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) أَيْ الْأَذَانِ (كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ) وَهُوَ الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْقِلُهُ (حُكِمَ بِهِ) أَيْ إسْلَامِهِ، لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِهِ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِنَا، وَوَرِثَهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ، دُونَ الْكُفَّارِ. وَلَوْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ: صَلَّيْت مُسْتَهْزِئًا وَنَحْوَهُ. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ) أَيْ الْكَافِرِ (ظَاهِرًا) فَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا: لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَاغْتَسَلَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَهِيَ صَحِيحَةٍ (وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ. وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ وَفِطْرٍ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ، وَلَا حَجِّهِ، وَلَا صَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ (وَلَا تَجِبُ) الصَّلَاةُ (عَلَى صَغِيرٍ) لِحَدِيثِ {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ} وَلِضَعْفِ عَقْلِهِ وَنِيَّتِهِ. وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِفَقْدِ شَرْطِهَا (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ مُمَيِّزٍ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ) أَيْ اسْتَكْمَلَ (سَبْعًا) مِنْ السِّنِينَ. وَفِي الْمَطْلَعِ: مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ. وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِتٍّ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِفْهَامِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَقَالَ: إنَّ الِاشْتِقَاقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُمَيِّزِ. وَيُشْتَرَطُ لِصَلَاتِهِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْكَبِيرِ، إلَّا فِي السُّتْرَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا (وَالثَّوَابُ) أَيْ ثَوَابُ عَمَلِ الْمُمَيِّزِ (لَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} فَهُوَ يُكْتَبُ لَهُ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ (وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَمْرُهُ) أَيْ الْمُمَيِّزِ (بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ (ل) تَمَامِ (سَبْعِ) سِنِينَ (وَ) يَلْزَمُهُ (تَعْلِيمُهُ إيَّاهَا) أَيْ الصَّلَاةَ. (وَ) تَعْلِيمُهُ (الطَّهَارَةَ ك) مَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ فِعْلُ مَا فِيهِ (إصْلَاحُ مَالِهِ، و) كَمَا يَلْزَمُهُ (كَفُّهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ) لِيَنْشَأَ عَلَى الْكَمَالِ (وَ) لَزِمَهُ أَيْضًا (ضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرِ) سِنِينَ تَامَّةٍ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَمْرُ وَالتَّأْدِيبُ لِتَمْرِينِهِ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا، فَلَا يَتْرُكَهَا. وَأَمَّا وُجُوبُ تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا وَالطَّهَارَةَ فَلِتَوَقُّفِ فِعْلِهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَإِنْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ (فِي) صَلَاةٍ (مَفْرُوضَةٍ) بِأَنْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْبُلُوغِ وَهُوَ فِيهَا فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا. وَسُمِّيَ بُلُوغًا لِبُلُوغِهِ حَدَّ التَّكْلِيفِ (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا) كَالْحَجِّ. وَلِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ. فَلَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ الْوَقْتِ، فَلَا إعَادَةَ عَلَى مَا يَأْتِي (مَعَ) إعَادَةِ (تَيَمُّمٍ) لَهَا؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَانَ لِنَافِلَةٍ، فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرِيضَةَ (وَ) لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ (وُضُوءٍ) وَلَا غُسْلِ نَحْوِ جِمَاعٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ. (وَ) لَا إعَادَةَ (إسْلَامٍ) لِأَنَّهُ أَصْلُ الدِّينِ، فَلَا يَصِحُّ نَفْلًا. فَإِذَا وُجِدَ فَعَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَأَبِيهِ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَتْهُ) فَرِيضَةٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ (تَأْخِيرُهَا) عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ (أَوْ) تَأْخِيرُ (بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ) وَهُوَ وَقْتُهَا الْمَعْلُومُ مِمَّا يَأْتِي، أَوْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فِيمَا لَهَا وَقْتَانِ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ، وَلِئَلَّا تَفُوتَ فَائِدَةُ التَّأْقِيتِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ (ذَاكِرًا) لِلصَّلَاةِ عِنْدَ تَأْخِيرِهَا (قَادِرًا عَلَى فِعْلِهَا) بِخِلَافِ نَحْوِ نَائِمٍ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا {لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (إلَّا لِمَنْ لَهُ الْجَمْعُ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لِنَحْوِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ (وَيَنْوِيه) أَيْ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى الْمُتَّسِعِ لَهَا، فَيَجُوزُ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكُونُ الْأُولَى أَدَاءً (أَوْ مُشْتَغِلٌ بِشَرْطِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (الَّذِي يُحَصِّلُهُ) أَيْ الشَّرْطُ (قَرِيبًا) كَمَنْ بِسُتْرَتِهِ خَرْقٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهَا. وَاشْتَغَلَ بِخِيَاطَتِهِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَنَحْوُهُ، فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ تَحْصِيلُ الشَّرْطِ بَعِيدًا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ. (وَ) يَجُوزُ (لَهُ) أَيْ لِمَنْ لَزِمَتْهُ صَلَاةٌ (تَأْخِيرُ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْجَوَازِ (مَعَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ) أَيْ فِعْلِهَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيث السَّابِقِ. فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ أَثِمَ (مَا لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا) مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ (كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ) فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الْوَقْتِ. لِئَلَّا تَفُوتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ أَدَاؤُهَا (أَوْ) مَا لَمْ يَعُدْ (سُتْرَةَ أَوَّلِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (فَقَطْ) دُونَ آخِرِهِ. فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ (أَوْ لَا يَبْقَى وُضُوءُ عَادِمِ الْمَاءِ سَفَرًا) أَوْ حَضَرًا (إلَى آخِرِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ) أَيْ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ. فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ شَرْطُهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (وَمَنْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ) الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا. وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا أَوْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ. (تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ. فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ زَكَاةٍ وَحَجٍّ (وَلَمْ يَأْثَمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ فَهُوَ آثِمٌ، مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ، وَمَتَى فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِهَا فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً (وَمَنْ تَرَكَهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (جُحُودًا) يَعْنِي مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ تَرَكَهَا أَوْ فَعَلَهَا (وَلَوْ) كَانَ جَحْدُهُ لِوُجُوبِهَا (جَهْلًا) بِهِ (وَعَرَفَ) الْوُجُوبَ (وَأَصَرَّ) عَلَى جُحُودِهِ (كَفَرَ) أَيْ صَارَ مُرْتَدًّا، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (وَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا إذَا دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ لِفِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (وَأَبَى) فِعْلَهَا (حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا) بِأَنْ يُدْعَى لِلظُّهْرِ مَثَلًا، فَيَأْبَى حَتَّى يَتَضَايَقَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَنْهَا، فَيُقْتَلُ كُفْرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِقَوْلِهِ {أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ} قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبِقَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ عُمَرُ " لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ " وَقَالَ عَلِيٌّ " مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ " لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " وَلَا قَتْلَ وَلَا تَكْفِيرَ قَبْلَ الدِّعَايَةَ، وَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى تَرْكِهَا إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا. فَإِذَا خَرَجَ عُلِمَ تَرْكُهُ لَهَا، لَكِنَّهَا فَائِتَةٌ لَا يُقْتَلُ بِهَا، فَإِذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَة وَجَبَ قَتْلُهُ (وَيُسْتَتَابَانِ) أَيْ الْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا بَعْدَ الدِّعَايَةِ (وَالْإِبَاءِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمَا وَيُدْعَيَانِ كُلَّ وَقْتِ صَلَاةٍ إلَيْهَا (فَإِنْ تَابَا بِفِعْلِهَا) مَعَ إقْرَارِ الْجَاحِدِ لِوُجُوبِهَا بِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ خُلِّيَ سَبِيلُهُمَا. وَإِنْ قَالَ: أُصَلِّي بِمَنْزِلِي مَثَلًا تُرِكَ وَأُمِرَ بِهَا، وَوُكِلَ إلَى أَمَانَتِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتُوبَا بِذَلِكَ (ضُرِبَتْ عُنُقُهُمَا) بِالسَّيْفِ. لِحَدِيثِ {إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَيْ الْهَيْئَةَ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ. (وَكَذَا) أَيْ كَتَرْكِ الصَّلَاةِ جُحُودًا أَوْ تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا (تَرْكُ رُكْنٍ) لِلصَّلَاةِ (أَوْ) تَرْكُ (شَرْطٍ) لَهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (يَعْتَقِدُ) التَّارِكُ (وُجُوبَهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: لَا يُكَفَّرُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ، وَلَا يُكَفَّرُ بِتَرْكِ فَائِتَةٍ وَنَذْرٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا زَكَاةٍ، إلَّا بِجَحْدِ وُجُوبِهَا.
لُغَةً الْإِعْلَامُ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} أَيْ أَعْلِمْهُمْ بِهِ يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا وَأَذِينًا كَعَلِيمٍ، إذَا أَعْلَمَ بِهِ، فَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ. وَشَرْعًا (إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ) أَوْ إعْلَامُ (قُرْبِهِ) أَيْ وَقْتِهَا (كَفَجْرٍ) فَقَطْ (وَالْإِقَامَةُ) مَصْدَر قَامَ. وَحَقِيقَتُهُ: إقَامَةُ الْقَاعِدِ، فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ، إذَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ. وَشَرْعًا (إعْلَامٌ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ فِيهِمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. وَيُطْلَقَانِ عَلَى نَفْسِ الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَذَانُ (أَفْضَلُ مِنْهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ. لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَلْفَاظًا. وَأَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (وَ) الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَيْضًا (مِنْ الْإِمَامَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْأَذَانَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ. قَالَ عُمَرُ: " لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت " وَيَشْهَدُ لِفَضْلِ الْأَذَانِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْمُؤَذِّنُ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ {مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ. مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: {لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعَلِّمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ. فَذَكَرُوا أَنْ يُوقِدُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا؟ فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (وَسُنَّ أَذَانٌ فِي يَمِينِ أُذُنِ مَوْلُودٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (حِينَ يُولَدُ، و) سُنَّ (إقَامَةٌ فِي) الْأُذُنِ (الْيُسْرَى) لِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ مَرْفُوعًا {مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ} أَيْ التَّابِعَةِ مِنْ الْجِنِّ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَاطِمَةُ} وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِيَكُونَ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا. كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ. وَفِي مُسْنَدِ رَزِينٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ} قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَالْمُرَادُ أُذُنُهُ الْيُمْنَى (وَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِحَدِيثِ {إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا {مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ. وَلِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ كَالْجِهَادِ وَلَا يُشْرَعَانِ لِكُلِّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ. بَلْ تَكْفِيهِمْ الْمُتَابَعَةُ، وَتَحْصُلُ لَهُمْ الْفَضِيلَةُ. كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمَأْمُومِ (لِل) صَلَوَاتِ (الْخَمْسِ) دُونَ الْمَنْذُورَةِ وَغَيْرِهَا (الْمُؤَدَّاةِ) لَا الْمُقْتَضَيَاتِ؟ (وَالْجُمُعَةِ) عَطْفٌ عَلَى الْخَمْسِ. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدُخُولِهَا فِي الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْرَضَا فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا: الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْقِيَامُ إلَيْهَا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا (عَلَى الرِّجَالِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، لَا الْوَاحِدِ، وَلَا النِّسَاءِ وَلَا الْخَنَاثَى (الْأَحْرَارِ) لَا الْأَرِقَّاءِ وَالْمُبَعَّضِينَ (إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا) لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ مَالِكِهِمْ، أَيْ فِي الْجُمْلَةِ. وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ نَحْوِ رَدِّ سَلَامٍ، وَتَغْسِيلِ مَيِّتٍ، وَصَلَاةٍ عَلَى رَقِيقٍ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِتَعَيُّنِ أَخْذِ اللَّقِيطِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ (حَضَرًا) فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَمَنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ صَحَّتْ، لَكِنْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ:؟ وَيُكْرَهُ. وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ (وَيُسَنَّانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (لِمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا {يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي وَأَدْخَلْته الْجَنَّةَ} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَ) يُسَنَّانِ أَيْضًا (سَفَرًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ {إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَ) يُسَنَّانِ أَيْضًا (لِمَقْضِيَّةٍ) مِنْ الْخَمْسِ. لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: {كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ، حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ. ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ إنْ خَافَ تَلْبِيسًا. كَمَا لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ. (وَيُكْرَهَانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (لِخَنَاثَى وَنِسَاءٍ، وَلَوْ) كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْهُمَا (بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) لِأَنَّهُمَا وَظِيفَةُ الرِّجَالِ، فَفِيهِ نَوْعُ تَشَبُّهٍ بِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي التَّحْرِيمِ جَهْرًا الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ، انْتَهَى. وَيَأْتِي: لَا يَصِحَّانِ مِنْهُمَا (وَلَا يُنَادَى) بِأَذَانٍ وَلَا غَيْرِهِ (لِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ وَتَرَاوِيحَ) نَصًّا. لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ (بَلْ) يُنَادَى (لِعِيدٍ) " الصَّلَاةَ جَامِعَةً " أَوْ الصَّلَاةُ قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ {لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَمَا يَخْرُجُ، وَلَا إقَامَةَ، وَلَا نِدَاءَ، وَلَا شَيْءَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) يُنَادَى لِصَلَاةِ (كُسُوفٍ) لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَ) يُنَادَى أَيْضًا لِصَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ) بِأَنْ يُقَالَ: (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) بِنَصْبِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: بِنَصْبِهِمَا وَرَفْعِهِمَا (أَوْ) يُقَالُ (الصَّلَاةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ بِهِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الثَّانِي (وَكُرِهَ) النِّدَاءُ فِي عِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ (بِحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، كَالْعِيدِ، فَيُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. وَإِذَا قَامَ بِهِمَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ غَالِبًا، وَلَوْ وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْ الْكُلِّ نَصًّا. وَمَنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا قَالَا: " دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَصَلَّى بِنَا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ لَكِنْ يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إلَّا بِمَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ. (وَتَحْرُمُ الْأُجْرَةُ) أَيْ أَخْذُهَا (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ {وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَالْإِقَامَةِ كَأَذَانٍ مَعْنًى وَحُكْمًا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ) بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ (مَنْ يَقُومُ بِهِمَا) لِأَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَّةً إلَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَالُ مُعَدٌّ لِلْمَصَالِحِ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمُتَطَوِّعُ لَمْ يُعْطَ غَيْرُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَشُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: فِي الْمُؤَذِّنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ (كَوْنُهُ مُسْلِمًا) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ. وَكَوْنُهُ (ذَكَرًا) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ أُنْثَى وَخُنْثَى. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، كَالْحِكَايَةِ. وَكَوْنُهُ (عَاقِلًا) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَبَصِيرًا أَوْلَى) بِالْأَذَانِ مِنْ أَعْمَى. لِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَنْ يَقِينٍ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى. فَرُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ. وَمِثْلُهُ عَارِفٌ بِالْوَقْتِ مَعَ جَاهِلٍ بِهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ: صِحَّةُ أَذَانِ أَعْمَى. لِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: {وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُقَالَ: أَصْبَحَتْ أَصْبَحَتْ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بَصِيرٌ، كَمَا كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، يُؤَذِّنُ بَعْدَ بِلَالٍ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَسُنَّ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ (صَيِّتًا) أَيْ رَفِيعَ الصَّوْتِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ {أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ. فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك} وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ الْمَقْصُود بِالْأَذَانِ، وَسُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ (أَمِينًا) لِحَدِيثِ {أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسُحُورِهِمْ الْمُؤَذِّنُونَ} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَفِيهِ كَلَامٌ (وَ) سُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ (عَالِمًا بِالْوَقْتِ) لِيُؤْمَنَ خَطَؤُهُ (وَيُقَدَّمُ مَعَ التَّشَاحِّ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْأَذَانِ (الْأَفْضَلُ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْخِصَالِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قَدَّمَ بِلَالًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ} لِأَنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ. وَقَدَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِصَوْتِهِ. وَقِيسَ عَلَيْهِ بَاقِي الْخِصَالِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ (إنْ اسْتَوَوْا) فِي الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ وَالْأَفْضَلُ (فِي دِينٍ وَعَقْلٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ مَعَ التَّسَاوِي فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (مَنْ يَخْتَارُهُ أَكْثَرَ الْجِيرَانِ) الْمُصَلِّينَ، لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِهِمْ. وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ، وَمَنْ هُوَ أَعَفُّ نَظَرًا (ثُمَّ) مَعَ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي رِضَا الْجِيرَانِ (يُقْرَعُ) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قُدِّمَ. لِحَدِيثِ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ (وَيَكْفِي مُؤَذِّنٌ) فِي الْمِصْرِ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَى زِيَادَةٍ نَصًّا. وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَرْبَعَةٍ لِفِعْلِ عُثْمَانَ، إلَّا مِنْ حَاجَةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ (وَيُزَادُ) مَعَ الْحَاجَةِ أَكْثَرُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ (بِقَدْرِهَا) أَيْ الْحَاجَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَيُقِيمُ) الصَّلَاةَ (مَنْ يَكْفِي) فِي الْإِقَامَةِ، وَيُقَدَّمُ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا (وَهُوَ) أَيْ الْأَذَانُ (خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً) أَيْ جُمْلَةً (بِلَا تَرْجِيعٍ) لِلشَّهَادَتَيْنِ، بِأَنْ يَخْفِضَ بِهِمَا صَوْتَهُ، ثُمَّ يُعِيدُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ، فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعًا. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ: إلَى أَيْ الْأَذَانِ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ: إلَى أَذَانِ بِلَالٍ. فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؟ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؟ (وَهِيَ) أَيْ الْإِقَامَةُ (إحْدَى عَشْرَةَ جُمْلَةً بِلَا تَثْنِيَةٍ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ {إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ {أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَفِيهِ إجْمَالٌ فَسَّرَهُ مَا سَبَقَ (وَيُبَاحُ تَرْجِيعُهُ) أَيْ الْأَذَانُ. لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ (وَ) يُبَاحُ (تَثْنِيَتُهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ {كَانَ أَذَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ} فَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَل (وَسُنَّ) أَذَانٌ (أَوَّلَ الْوَقْتِ) لِيُصَلِّيَ الْمُتَعَجِّلُ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا مَا دَامَ الْوَقْتُ. وَيَتَوَجَّهُ سُقُوطُ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَ) سُنَّ (تَرَسُّلٌ فِيهِ) أَيْ تَمَهُّلٌ فِي الْأَذَانِ، وَتَأَنٍّ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَ فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ. (وَ) سُنَّ (حَدْرُهَا) أَيْ إسْرَاعُ إقَامَةٍ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ {إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ مَجْهُولٌ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: " إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ " وَأَصْلُ الْحَدْرِ فِي الشَّيْءِ: الْإِسْرَاعُ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ إعْلَامُ الْغَائِبِينَ فَالتَّثَبُّتُ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَالْإِقَامَةُ إعْلَامُ الْحَاضِرِينَ، فَلَا حَاجَةَ فِيهَا لَهُ. (وَ) يُسَنُّ فِيهِمَا (الْوَقْفُ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ) قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ. وَقَالَ أَيْضًا: الْأَذَانُ جَزْمٌ وَمَعْنَاهُ: اسْتِحْبَابُ تَقْطِيعِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَقْفِ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ.
تَتِمَّةٌ: [حكم الأذان بغير العربية] لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا، (وَ) يُسَنُّ (قَوْلُ) مُؤَذِّنٍ (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ حَيْعَلَةِ أَذَانِ الْفَجْرِ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قَبْلَ طُلُوعِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ {فَإِذَا كَانَ أَذَانُ الْفَجْرِ فَقُلْ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَالْحَيْعَلَةُ: قَوْلُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " (وَيُسَمَّى) قَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ (التَّثْوِيبُ) مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِالتَّثْوِيبِ. وَيُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ أَذَانِ فَجْرٍ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالنِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَنِدَاءُ الْأَمِيرِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ: {وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} الْآيَةَ وَوَصَلَهُ بَعْدَهُ بِذِكْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْإِقَامَةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مَا يُفْعَلُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالنَّشِيدِ وَالدُّعَاءِ. وَلَا بَأْسَ بِالنَّحْنَحَةِ قَبْلَهُمَا. (وَ) يُسَنُّ (كَوْنُهُ قَائِمًا فِيهِمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ " قُمْ فَأَذِّنْ " وَكَانَ مُؤَذِّنُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا وَالْإِقَامَةُ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ (فَيُكْرَهَانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (قَاعِدًا) أَيْ مِنْ قَاعِدٍ (لِغَيْرِ مُسَافِرٍ وَمَعْذُورٍ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ. وَكَذَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَمُضْطَجِعًا، وَصَحَّا مِنْ نَحْوِ قَاعِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِآكَدَ مِنْ الْخُطْبَةِ (وَ) يُسَنُّ كَوْنُهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (مُتَطَهِّرًا) مِنْ الْحَدَثَيْنِ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّ. وَالْإِقَامَةُ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّلَاةِ (فَيُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ) لَا مُحْدِثٍ نَصًّا. (وَ) تُكْرَهُ (إقَامَةُ مُحْدِثٍ) لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ (وَ) يُسَنُّ كَوْنُ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (عَلَى عُلْوٍ) أَيْ مَوْضِعٍ عَالٍ، كَمَنَارَةٍ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ. وَرُوِيَ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: " كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ، فَيَنْتَظِرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُك وَأَسْتَهْدِيك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَك. قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) يُسَنُّ (كَوْنُهُ رَافِعًا وَجْهَهُ) إلَى السَّمَاءِ فِي أَذَانِهِ كُلِّهِ. وَيُسَنُّ أَيْضًا كَوْنُهُ (جَاعِلًا سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ " إنَّ بِلَالًا وَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَ) يُسَنّ أَيْضًا كَوْنُهُ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِفِعْلِ مُؤَذِّنِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ كُرِهَ. (وَ) يُسَنُّ كَوْنُهُ (يَتَلَفَّتْ) بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ وَصَدْرِهِ (يَمِينًا لُحَيٌّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَشِمَالًا لُحَيٌّ عَلَى الْفَلَاحِ) فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: " رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَ) سُنَّ أَيْضًا (أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ رَجُلٌ (وَاحِدٌ) أَيْ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ مَنْ يَقُولُ الْأَذَانَ. لِمَا فِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ حِينَ أَذَّنَ قَالَ: فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يُقِيمُ أَخُو صُدَاءٍ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَكَالْخُطْبَتَيْنِ وَيُسَنُّ أَيْضًا كَوْنُهُمَا (بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ) بِأَنْ يُقِيمَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ. لِقَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ} لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ بِالْمَسْجِدِ لَمَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِهَا، كَذَا اسْتَنْبَطَهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ. وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَكَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ (مَا لَمْ يَشُقَّ) ذَلِكَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ، كَمَنْ أَذَّنَ فِي مَنَارَةٍ أَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ، فَيُقِيمُ فِيهِ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، إنْ أَقَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهَا. وَيَجُوزُ الْكَلَامُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ. (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا (أَنْ يَجْلِسَ) مُؤَذِّنٌ (بَعْدَ أَذَانٍ مَا) أَيْ صَلَاةٍ (يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا) كَمَغْرِبٍ (جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيمُ) الصَّلَاةَ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا {يَا بِلَالُ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِك نَفَسًا، يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ} رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ {اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِيَتَمَكَّنَ الْآكِلُ مِنْ نَحْوِ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ (وَلَا يَصِحُّ) الْأَذَانُ (إلَّا مُرَتَّبًا) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ، فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِنَظْمِهِ. كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ (مُتَوَالِيًا عُرْفًا) لِيَحْصُلَ الْإِعْلَامُ. وَلِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ كَانَتْ كَذَلِكَ (فَإِنْ تَكَلَّمَ) فِي أَثْنَاءِ أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ (ب) كَلَامٍ (مُحَرَّمٍ) كَقَذْفٍ وَغِيبَةٍ. بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا فِيهِ، فَكَمَا لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهِ لَا بَعْدَهُ. وَلَا بِجُنُونِهِ إنْ أَفَاقَ سَرِيعًا وَأَتَمَّهُ (أَوْ سَكَتَ) سُكُوتًا (طَوِيلًا بَطَلَ) لِلْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ. وَكَذَا إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ نَامَ طَوِيلًا (وَكُرِهَ) فِي أَثْنَائِهِ كَلَامٌ (يَسِيرٌ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ بِرَدِّ السَّلَامِ بِلَا كَرَاهَةٍ. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا فِي أَثْنَائِهِ (سُكُوتٌ) يَسِيرٌ (بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، وَكَذَا إقَامَةٌ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ أَيْضًا إلَّا (مَنْوِيًّا) لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} (مِنْ) شَخْصٍ (وَاحِدٍ) فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْضَهُ وَكَمَّلَهُ آخَرُ. لَمْ يَصِحَّ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ (عَدْلٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ، وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ. وَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ أَيْضًا لِغَيْرِ فَجْرٍ، إلَّا (فِي الْوَقْتِ) لِحَدِيثِ {إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ} وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (وَيَصِحُّ) الْأَذَانُ (لِفَجْرٍ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ {أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلْيَتَهَيَّأْ جُنُبٌ وَنَحْوُهُ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَيُكْرَهُ) أَذَانُ الْفَجْرِ (فِي رَمَضَانَ قَبْلَ) طُلُوعِ (فَجْرٍ ثَانٍ إنْ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ بَعْدَهُ) لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ فَيَتْرُكُوا سُحُورَهُمْ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ. لِلْخَبَرِ. وَأَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً، لِئَلَّا يَغْتَرَّ النَّاسُ (وَرَفْعُ الصَّوْتِ) بِأَذَانٍ (رُكْنٌ لِيَحْصُلَ السَّمَاعُ) الْمَقْصُودُ لِلْإِعْلَامِ (مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِحَاضِرٍ) فَبِقَدْرِ مَا يُسْمِعُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ صَوْتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ خَافَتَ بِالْبَعْضِ جَازَ. وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ قَدْرَ طَاقَتِهِ، مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ. وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الطَّاقَةِ (وَمَنْ جَمَعَ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ قَضَى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِلْكُلِّ) لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ {إنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَغَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ لَهُ وَقَالَ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ (وَيُجْزِي أَذَانُ مُمَيِّزٍ) لِبَالِغِينَ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ " كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ أَحْتَلِمْ " وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ، وَكَالْبَالِغِ و(لَا) يُجْزِئُ أَذَانُ (فَاسِقٍ) ظَاهِرِ الْفِسْقِ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) لَا أَذَانُ (خُنْثَى) مُشْكِلٍ. لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى، فَإِنْ اتَّضَحَتْ ذُكُورِيَّتُهُ صَحَّ. (وَ) لَا أَذَانُ (امْرَأَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ رَفْعِ صَوْتِهَا فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً. فَيَصِيرُ كَالْحِكَايَةِ (وَيُكْرَهُ) أَذَانُ (مُلْحِنٍ) بِأَنْ يُطْرِبَ فِيهِ، يُقَالُ: لَحَنَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا أَطْرَبَ بِهَا وَغَرَّدَ. قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ أَكْرَهُهُ، كَالتَّطْرِيبِ. وَيَصِحُّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ (وَ) يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا (مَلْحُونًا) لَحْنًا لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. كَرَفْعِ تَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ نَصْبِهَا أَوْ حَاءِ الْفَلَاحِ. (وَ) يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا (مِنْ ذِي لُثْغَةٍ فَاحِشَةٍ) كَالْمَلْحُونِ وَأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ لَمْ يُكْرَهْ (وَبَطَلَ) الْأَذَانُ (إنْ أُحِيلَ الْمَعْنَى) بِاللَّحْنِ أَوْ اللُّثْغَةِ مِثَالُ الْأَوَّلِ: مَدُّ هَمْزَةِ اللَّهِ، أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي: إبْدَالُ الْكَافِ قَافًا أَوْ هَمْزَةً. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يُؤَذِّنُ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ قُلْنَا: كَيْفَ يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ} أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ. وَفِيهِ إسْقَاطُ الْهَاءِ مِنْ كَلِمَةِ " اللَّهِ " وَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَذِّنَ غَيْرُ الرَّاتِبِ بِلَا إذْنِهِ إلَّا إنْ خِيفَ فَوْتُ وَقْتِ التَّأْذِينِ وَمَتَى جَاءَ وَقَدْ أُذِّنَ قَبْلَهُ أَعَادَهُ اسْتِحْبَابًا. (وَيُسَنُّ لِمُؤَذِّنٍ) مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا بِمِثْلِهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ إجْرَاءِ الْأَذَانِ وَالْمُتَابَعَةِ (وَ) سُنَّ أَيْضًا ل (سَامِعِهِ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا: لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَوْ) سَمِعَ مُؤَذِّنًا (ثَانِيًا و) مُؤَذِّنًا (ثَالِثًا) حَيْثُ اُسْتُحِبَّ. وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى جَمَاعَةً لِعُمُومِ الْخَبَرِ، فَإِنْ صَلَّى كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مَدْعُوًّا بِهَذَا الْأَذَانِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَ) سُنَّ أَيْضًا (لِمُقِيمِ) الصَّلَاةِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا، لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِهِمَا. (وَ) سُنَّ أَيْضًا ل (سَامِعِهِ) أَيْ الْمُقِيمِ (وَلَوْ) كَانَ السَّامِعُ لِأَذَانٍ أَوْ إقَامَةٍ (فِي طَوَافٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ) كَانَ السَّامِعُ لِمَفْهُومٍ (امْرَأَةً) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ (سِرًّا بِمِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ قَوْلِهِ. (وَلَا) تُسَنُّ الْإِجَابَةُ (مُصَلٍّ) لِاشْتِغَالِهِ بِهَا، فَإِنْ أَجَابَ بَطَلَتْ بِلَفْظِ الْحَيْعَلَةِ، وَصَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فِي التَّثْوِيبِ. لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ. (وَ) لَا ل (مُتَخَلٍّ) لِاشْتِغَالِهِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ (وَيَقْضِيَانِهِ) أَيْ يَقْضِي الْمُصَلِّي وَالْمُتَخَلِّي مَا فَاتَهُمَا إذَا فَرَغَا وَخَرَجَ الْمُتَخَلِّي مِنْ الْخَلَاءِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ فَيَقُولَانِ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَسَامِعُهُ أَوْ الْمُقِيمُ وَسَامِعُهُ (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ خِطَابٌ فَإِعَادَتُهُ عَبَثٌ، بَلْ سَبِيلُهُ الطَّاعَةُ وَسُؤَالُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَمَعْنَاهُمَا: إظْهَارُ الْعَجْزِ، وَطَلَبُ الْمَعُونَةِ مِنْهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ. وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ (وَ) إلَّا (فِي التَّثْوِيبِ) وَهُوَ قَوْلُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي أَذَانِ فَجْرٍ، فَيَقُولَانِ (صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى. (وَ) إلَّا (فِي لَفْظِ الْإِقَامَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْمُقِيمِ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، فَيَقُولُ هُوَ وَسَامِعُهُ (أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا} وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، أَيْ دَعْوَةِ الْأَذَانِ (التَّامَّةِ) لِكَمَالِهَا وَعِظَمِ مَوْقِعِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا. وَلِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُدْعَى بِهَا إلَى طَاعَةٍ (وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ) أَيْ الَّتِي سَتَقُومُ (آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ) مَنْزِلَةً عِنْدَ الْمَلِكِ، وَهِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ (وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته) وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ. لِأَنَّهُ يَحْمَدَهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى: إظْهَارُ كَرَامَتِهِ، وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيث مُنَكَّرًا تَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ فَقَوْلُهُ: " الَّذِي وَعَدْته " نُصِبَ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ أَوْ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، وَرُفِعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا {إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (ثُمَّ يَدْعُو هُنَا) أَيْ بَعْدَ الْأَذَانِ. لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا {الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَ) يَدْعُو (عِنْدَ إقَامَةٍ) فَعَلَهُ أَحْمَدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ. وَيَقُول عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ " اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهَارِك، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك فَاغْفِرْ لِي " لِلْخَبَرِ (وَيَحْرُمُ خُرُوجُهُ) أَيْ خُرُوجُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أُذِّنَ لَهَا مَعَ صِحَّتِهَا مِنْهُ إذَنْ (مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ) أَيْ الْأَذَانِ قَبْلَهَا (بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ) إلَى الْمَسْجِدِ، لِلْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ لِفَجْرٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، أَوْ لِعُذْرٍ، أَوْ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ قَبْلَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْرُمْ. وَلَا بَأْسَ بِأَذَانٍ عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ قَرِيبٍ، فَإِنْ بَعُدَ كُرِهَ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ، فَيَغْتَرُّ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَسْجِدَ فَيُضَيِّعَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُومَ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي الْأَذَانِ، بَلْ يَصْبِرُ قَلِيلًا لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالشَّيْطَانِ.
|